إن هز الضيف فنجان قهوتـهِ ، فقد اكتفى من الشرب ، وبعضهم لا يقبل من الضيف الا بشرب ثلاثة فناجين ثُمَّ يقبل منه هز الفنجان ، فرحاً به وتقديراً له !
وإن امتنع الضيف من شُربها فهذا أمر خطير له ما بعده من القول لأنه غالباً سوف يقدم طلباً عليك أن تتعهد له بإنجازه حتى يشرب قهوتك !
وإن أراقَ الفنجان فهو يشير الى مخالطة القهوة لشيء ٍ غريب كحشرة !
وإن شربه على عجل واكتفى بفنجان واحد ، ربما يشير الى برودتها أو شيء من هذا القبيل !
طقوسٌ و آداب اصطلحت عليها أعراف العرب في جزيرتهم ، تشكلت عبر مرور الغداةِ وكر العشي ، ولا تختلف تلك الآداب من بلد أو من قبيلة وأخرى في الجزيرة ومحيطها إلا ما ندر ، فهم يجعلونها من أركان الضيافة الأساسية ، فلا مجلس إلا والقهوة أميرته الأثيرة و فاكهته المفضلة ، فبها تزداد بهجة الصباح و تزدان أحاديث السمر ، من بلاط أعظم الملوك الى بساط أفقر صعلوك ، لذلك تجد أنهم كثيرا ً ما يتغنون بها و يتمدحون مَن لا تنفك قهوته حاضرة .
نعم تلك هي القهوة العربية ، طاردت الهم ، موقدة الفكر ، ذات الرائحة الأخاذة والطعم الوقور، قال الشاعر :
إدفع و رد الـهـم عنك بـقهــوة ... بمذاقها ترنو الى الأخيارِ
جازت مدى الأعمار ِ فهيَ كأنها ... عند المذاق ِ تزيد في الأعمارِ
تاريخ القهوة ؟
أمر اختلف فيه ، فمنهم من قال أن القهوة لم تعرف الا قبل خمس قرون فقط ومنهم من استدل على قدمها بقصة الأعرابي ؟؟
فقد حُكيَ أن أعرابيا كان يرعى غنمه و ذات يوم لاحظ نشاطا غير عادي على غنمه ، فظل يراقبها حتى عرف أنها تأكل من ثمار شجرة دائمة الخضرة و قرر أن يجربها فتناول منها فشعر بنشاط غير عادي و حيوية و بدا الراعي في نشر قصته مع هذه الثمار حتى شاع استعمال البن .
مواطن القهوة ؟
شبه الجزيرة العربية خاصة السعودية و اليمن والحبشة وأمريكا والبرازيل .
الفوائد والمضار ؟
قال أهل الطب من فوائد القهوة :
1 - أنها منبه قوي في الجهاز العصبي المركزي خاصة قشرة المخ .
2 - كما ان لها تأثير منبه على القلب حيث تزداد ضرباته زيادة بسيطة .
3 - و للقهوة تأثير خفيف مدر للبول .
4 - و هي منشطة للهضم .
5 - منشطة للذاكرة تساعد على النشاط الفكري و الجسدي .
6 - تزيل التعب العضلي نوعاً ما .
ومن مساوئها عند كثرة شربها ؟
1 - تؤدي الى الأرق الدائم .
2 - وتغير لون الوجه .
3 - اضطراب الجهاز الهضمي .
4 - وذُكِر أنها مهيجة للقولون .
المقهوي ؟
وهو من يقوم بصب القهوة للضيوف ، وقد كان في السابق صاحب المجلس هو من يقوم بهذا الدور إلا أنْ يكون أمير عشيرة أو من الأغنياء أو الحكام ، ولكن بعد تفشي الغنى وكثرة الخير أصبح الكل لديهم من يقوم بهذا العمل ، ولابد للمقهوي من شروط معينة ، لأنه يعكس بأدبهِ وجودة عمله ، ذوق صاحب المجلس وكرمه .
شروط المقهوي الناجح :
1 - أن يكون دقيق في عمله من ناحية الوقت والنظافة و إتقان عمل القهوة .
2 - أن يكون حَسَن المظهر .
3 - ذو دراية و إلمام بآداب القهوة العربية ، كقرع الفناجين ، وتقديم التمر قبل القهوة ومعرفة اكتفاء الضيف من الشرب ، ومكان وقوفه أمام الضيف .
وكان الناس قديما ً يستدلون على من قام بصنع القهوة للضيوف بدلائل عدة منها :
1 - إيقاد النار صباحا ً قبل شروق الشمس .
2 - سماع صوت ( النجر ) وهو ما يُدق فيه البُن لتحضير القهوة .
قال الشاعر العامي :
دقه بنجر وثولث النجر بالصوت .. يجذب رجالٍ ما نـدور بدله
وقال الآخر :
ونجرٍ يصيـح وللمساييـر جـذاب ... دنه على طول الدهـر للمواجيـب
3 - فواح رائحتها الزكية من قِبَلِ مجلس الرجال .
4 - أن يكون هذا الرجل معروف عنه ذلك وإن لم توجد الدلائل السابقة .
والقهوة العربية كريمة مصانة لدى العرب بالذات ومن كرمها وعلو شأنها عندهم أنها :
1 - قد تُهرب في حال المنع من استيرادها من مواطنها وقد حصل هذا سابقاً .
2 - يتحمل الرجل من أجلها المشاق في سبيل شربها أو شرائها .
قال الشاعر العامي :
كيف ٍ لنا نحرقه بالنار ونزله ... و إن انقطع لو ورا صنعا عنينا له !!
3 - لا تجد القهوة العربية تشرب في ما يسمى المقاهي إلا ما شذ وندر .
4 - هي المشروب المفضل والمعتاد عند فضلاء الرجال على كافة المستويات .
5 - لا يؤخذ على شربها ثمن وقد يشنع على من يفعل ذلك ، وتسقط مروءته لدى بعض الرجال .
ألوان القهوة ؟
ويختلف لون القهوة من مكان الى آخر ، فإذا أخذنا الجزيرة العربية مثالا ً لذلك مراعين تجمعات القبائل ، سنجد أن أهل نجد وهم في منتصف الجزيرة العربية ، لون القهوة عندهم اللون البني غالباً ، وعند أهل الجنوب ومن حولها ، لون القهوة اللون الأصفر الفاتح ، وتجد أن أهل الشمال لون القهوة عندهم اللون الأسمر الداكن .
وبعبارة أخرى يصفر لون القهوة كلما اتجهت الى الجنوب ويسمر كلما اتجهت الى الشمال ، ففي بلاد اليمن والجنوب تكون القهوة خفيفة التحميص فاتحة اللون, وكلما اتجهنا شمالاً نحو الجزيرة العربية وبلاد الشام وصولاً إلى أوربا , نجد أن لونها يزداد دكانة ويطغى عليها اللون الأسود .
ومع تطور الزمن وتداخل القبائل واختلاط الناس أخذت القهوة تعرف بأنواع وأشكال جديدة لذلك لا يجب اعتبار ما سبق قاعدة مطردة .
ما يضاف مع القهوة ؟
هناك بعض الأشياء تضاف مع القهوة ، وتختلف هذه الإضافات حسب العادة والعرف ومن تلك الإضافات :
1 - الهيل .
2 - الزعفران .
3 - المسمار .
4 - الزنجبيل .
5 - وغير ذلك .
آدابها ؟
ومن جملة الآداب المرعية في هذا الموضوع :
1 - أن يُقدم التمر قبل القهوة ويسمى ( القدوع ) .
2 - لا تتأخر القهوة بعد جلوس الضيف .
3 - الحديث قبل شرب الضيف يكون بالترحيب و لا يُكلف رد الجواب أثناء شربه .
4 - لا يحجب المقهوي الرؤية عن الضيف .
5 - لا تقدم القهوة إلا ساخنة .
6 - لا يشرب صاحب المكان قبل الضيف حتى وإن أصر الضيف على ذلك.
7 - لا يُصب أكثر من ربع الفنجان تقريباً .
هذا ما تيسر جمعه عن هذه العادة الأصيلة في مجتمعاتنا ، ولم نقصد بإيراد الموضوع احتوائه وإنما هي إشارات ولطائف ليس إلا ....