أيقظ عواطفك الذكية
خلال إبحار سفننا في هذه الحياة لا بد أن نتوقف للحظات لنراقب ما يتولد في أعماق نفوسنا من مشاعر وأحاسيس متقلبة بين سعادة وحزن، سكينة وقلق، رضا واستياء ..والسؤال المطروح دائماً: هل بمقدورنا أن ندير مشاعرنا وانفعالاتنا بالشكل الأمثل ؟
والجواب : بالطبع نعم.
وذلك لأن الإدارة الناجحة لعواطفنا ومشاعرنا هي أساس الإرادة وأساس النجاح الشخصي، ومن هنا فإن إدارة هذه العواطف يعتبر تحدياً خطيراً، فالمشكلة ليست في الحالة العاطفية والشعور نفسه بل في سلامته والتعبير عنه، يقول أرسطو أن يغضب أي إنسان، فهذا أمر سهل..لكن أن تغضب من الشخص المناسب، وفي الوقت المناسب، وللهدف المناسب، وبالأسلوب المناسب ..فليس هذا بالأمر السهل..)
من هنا بدأ العلماء في توسيع النظرة الضيقة لفهم مشاعر الإنسان، مُطلِقين مستقبلاً جديداً لتعايش الإنسان مع أحاسيسه ومشاعره وبالتالي انعكاس ذلك على حياته الخاصة وعلاقاته مع الآخرين ، وأطلقوا على هذه الثورة الجديدة مصطلح الذكاء العاطفي.
ما هو الذكاء العاطفي؟
استخدم تعبير الذكاء العاطفي لأول مرة في عام 1990 على يد بيتر سالوفن (بجامعة هارفارد) وجون سايد(بجامعة نيوهام بشاير) وذلك من أجل وصف الخصائص العاطفية اللازمة لتحقيق النجاح وهي:
1- ضبط المزاج. 2 - تحقيق محبة الآخرين.
3- المثابرة أو الإصرار.
4 - التعاطف أو الشفقة.
5- التعبير عن المشاعر.
6 - حل المشكلات بين الأشخاص.
7- القابلية للتكيف. 8 - المودة والاحترام.
وقد عرف سالوفي وماير الذكاء العاطفي على أنه يمثل
"مجموعة من عناصر الذكاء الاجتماعي تتضمن القدرة على قيام الفرد بالتحكم في عواطفه وأحاسيسه والتمييز بينها، واستخدام هذه المعلومات لتوجيه تفكيره، وضبط تصرفاته".
أنت مصاب بعدوى المشاعر الطيبة؟
حدثنا السيد دانييل جولمان مؤلف كتاب الذكاء العاطفي عن قصة واقعية حدثت معه : " في أحد الأيام حيث كان يشعر ببعض التوتر والتعب، وفي طريق العودة إلى منزله وعند صعوده الحافلة، استقبله سائق الحافلة بابتسامة لطيفة وكلمات طيبة ..ومن ثم سمعه يرحب بكل راكب بعبارات منعشة: مساء الخير، طابت ليلتك يا أخي، ومع أن السائق غالباً لا يحظ بالاهتمام الكافي من الركاب إلا أن شعوراً عاماً بالارتياح بدأ يسري سريعاً كالعبير العطر في أرجاء الحافلة وبدأ ملامسة قلب كل راكب"..هذه القصة حدثت بالفعل مع دانييل جولمان وقد اعتبر هذا السائق مصلحاً ورسول سلام يجوب الشوارع لأنه نشر دون أن يدري فيروس المشاعر الطيبة، وغيّر بعباراته الإيجابية وابتسامته اللطيفة تعباً وتجهماً كان مرسوماً على وجوه راكبي حافلته. ....
وبالتالي يقدم لنا الذكاء العاطفي عملياً الكثير الكثير من خلال استثمار واكتشاف ما نمتلكه من مهارات عاطفية, ولا بد هنا أن نعلم بأن الذكاء العاطفي يرتكز على أربعة جوانب أساسية هي :
• معرفة عواطفنا والتعبير عنها: من خلال قراءة العواطف في تعابير الوجه، أو الصوت، أو مغزى القصص والحكايات، وكذلك في حسن التعبير الدقيق عن هذه العواطف.
• إدارة العواطف للعمليات الفكرية: وذلك بالقدرة على ربط عواطف معينة بحالات عقلية محددة أو بالقدرة على ربط العواطف بآليات التفكير والمحاكمة وحل المشكلات، فالعواطف تقوم على ترتيب الأولويات الفكرية، وتوجيه انتباهنا لأكثر المعلومات أهمية، وبالتالي النضج العاطفي يوجه صاحبه للتفكير بما هو أهم. وهنا لا بد أن نذكر بأن المواقف والتوجهات العاطفية تؤثر على الطريقة التي يتبعها الشخص في حل مشكلة ما، فالسعادة والمرح مثلاً يشجعان على ابتداع حلول جديدة.
• التحليل العاطفي: وذلك بزيادة القدرة على حل المشكلات العاطفية، وتحليل العواطف للتفريق بين العواطف المتشابهة والمتعاكسة، واستخدام هذه المعرفة في الحياة اليومية، ومن المهم جداً أن نمتلك القدرة على تسمية العواطف بأسمائها وتفهم العواطف المتداخلة والمعقدة، كما في حال امتزاج مشاعر الحب بالكره، والخوف بعنصر المفاجأة.
• الإدارة العاطفية: القدرة على تحمل الإنسان المسؤولية الذاتية عن مشاعره وسعادته، والقدرة على تحويل العواطف السلبية إلى عملية تعليمية إيجابية وفرصة للمزيد من النمو، والقدرة على المراقبة الواعية للعواطف الذاتية أو عواطف الآخرين، وحسن إدارتها, وأفضل تطبيق عملي لذلك التخفيف من العواطف السلبية وتقوية العواطف الإيجابية من دون المبالغة فيها.
ومع كل التقدم العلمي والتطور المعرفي الذي شهدته الإنسانية وسعيها الدائم على رفع مستويات التعليم الأكاديمي، وخفض معدلات أمية القراءة والكتابة إلا أن أمية عالمية جديدة قد تغزو مستقبلاً العقول والقلوب إذا لم نتحكم بعواطفنا ومشاعرنا ..إنه شبح الأمية العاطفية الذي يسهل القضاء عليه إذا عرفنا أسبابه وعلاجه المتمثل في تحكمنا بمشاعرنا وأحاسيسنا وامتلاكنا لكفاءة عاطفية ومناعة نفسيةعصبية.
بعد الحديث عن تعريف الذكاء العاطفي والمرتكزات الأربعة التي تمكننا من إدارة مشاعرنا بشكل فعال , نأتي إلى الحديث في هذا المقال عن أهمية الذكاء العاطفي والتي تتمثل في الصلة بين أحاسيسنا وشخصيتنا واستعداداتنا الأخلاقية والفطرية، فإن المواقف الأخلاقية الأساسية في حياتنا تنبع من قدراتنا الانفعالية الأساسية على التأقلم مع هذه المشاعر.
نظرية المناعة النفسية العصبية:
ما هي نسبة الأشخاص الذين يستطيعون بالفعل التغلب على مشاكلهم وهمومهم الحياتية والعودة إلى حياتهم الطبيعية بالحيوية والنشاط المطلوبين؟ هؤلاء الأشخاص الذين يتمتعون بمثل هذه الميزة يوصفون بأنهم أصحاب مرونة نفسية عالية ويكتسبون هذه المرونة من خلال قدرتهم على التعامل مع المواقف العصيبة والأزمات وتجاوزها بنجاح.
ويتم اكتساب هذه المرونة عن طريق رفع الكفاءة النفسية وذلك من خلال رفد العواطف بالقوة الداعمة وهذا المجال الجديد يسمى بنظرية المناعة النفسية العصبية Psycho Neuroimmunology وتقوم الفكرة الأساسية لهذه النظرية في مقدرة العقل على إنتاج العناصر الكيميائية التي تحمي الجسم من الأمراض كما أنه يستطيع التحكم بالعصارات الهضمية العصبية ومستقبلاتها الحسية والتي تتواجد في أجزاء المخ المرتبطة بالعواطف ويتم إرسالها بواسطة العقل إلى الجسم، حتى تخبره بالطريقة التي يستجيب بها.
التطبع أقوى من الطبع:
من الأمثلة العربية القديمة (الطبع غلب التطبع) لكن إذا بقي هذا الطبع متحكماً في الأعصاب ومستنزفاً للطاقات العاطفية فهل نسلّم الأمر له ليبقى قدراً محتوماً ومزعجاً لنا طيلة الحياة, أم يجب علينا أن نتعلم أسلوباً آخراً لنتغلب على هذا الوضع؟!
معظم الناس تتشكل المعالم الأساسية لشخصيتهم عند بلوغ السادسة إلا أن التجارب والأبحاث أثبتت بأن للجهد البشري دور هام في تشذيب وتغيير بعض المعالم الشخصية، فكم من الأشخاص استطاع تغيير نظرته في الحياة أو نظرته إلى العالم وحتى نظرته إلى عقيدته ليعود إلى رشده وصوابه ..وليرفع عالياً الشعار القائل "باستطاعتك التغيير إلى الأفضل فلا تحجّم نفسك في قالب الطبع!.."تطور الذكاء العاطفي خلال مراحل العمر:
بعد إجراء اختبارات الذكاء العاطفي على (3831) شخص, أظهرت النتائج أن الذكاء العاطفي لهؤلاء الأشخاص يزداد بشكل واضح مع تقدم العمر، ويصل إلى ذروته مع نهايات الأربعين وبدايات الخمسين سنة بينما يصل الذكاء العادي المعرفي إلى ذروته مع نهاية مرحلة المراهقة، ويبقى ثابتاً مع نهايات الخمسين، بالإضافة إلى أن الذكاء المعرفي يميل للانخفاض قليلاً بعد هذا العمر، على عكس الذكاء العاطفي الذي يتجدد ويتطور مع تقدمنا في العمر.
مدارس عاطفية ذكية:
وباعتبار أن اكتساب المهارات العاطفية يسهل في مرحلة الطفولة بدأت إحدى المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم دروس عن علم أطلق عليه اسم (علوم الذات) ,و تعد المشاعر هي الموضوع الأول والأهم في علوم الذات وهي المحور الأساسي في العلاقات بين الناس.
ويتم لتركيز في مثل هذه الدورات النموذجية على البناء العاطفي للطفل هادفة من ذلك رفع مستوى الكفاءة الاجتماعية والعاطفية لدى الأطفال كجزء من التعليم النظامي، ومثل هذه المهارات التي تتكرر لدى الأطفال تصبح خبرات يعكسها المخ كمسارات قوية وعادات عصبية، يستعملها أوقات التهديد والإحباط والإهانة، ومثل هذه المواد ستولد مناعة نفسية عصبية داخلية ..تماماً كما اللقاح الذي نحصن به أطفالنا من أي مرض.
تحدثنا في المقال الماضي عن أهمية الذكاء العاطفي وعن تطوره خلال مراحل عمر الإنسان, كما شرحنا مفهوم نظرية المناعة النفسية العصبية, ونتحدث في هذا الفصل عن حاجة الإنسان إلى التعاطف على المستوى النفسي تماثل حاجته إلى الهواء والماء والطعام على المستوى الجسدي.
إن الإنسان الذي يجيد التعاطف مع الآخرين يجذبهم إليه، فالناس عادة يبحثون عمن يتعاطف معهم، وقد قرأت قصة عن سيدة اضطرت لإجراء عملية جراحية خطيرة، فجاؤوا لها بأفضل جراح في المدينة، وأخذ يشرح لها عن خطورة العملية، وعندما أخذت تبكي نهرها بقسوة وقال لها: إذا أردت أن تبكي فابحثي عن جراح آخر، فما كان منها إلا أن طردته، وطلبت من جراح آخر أقل منه مهارة أن يجري لها العملية. لقد عرضت حياتها للخطر، وفي هذه القصة أكبر دليل على أهمية التعاطف في حياة الإنسان, فإننا ننجذب فطرياً إلى الأشخاص الذين يتفهمون مشاعرنا ونعرض عن الأشخاص الذين لا يشعرون بنا، ولكي ينجح الإنسان في قراءة مشاعر الآخرين يجب أن يكون قادراً على قراءة مشاعره وتأثيرها على تصرفاته، عندها يستطيع أن يجري القراءة المعاكسة، وأن يعرف مشاعر الآخرين من خلال تصرفاتهم.
إن من أهم حاجات الإنسان في هذا الوجود حاجته إلى أن تقدر مشاعره من قبل الآخرين ويعتمد تقدير المشاعر على ثلاثة أمور:
إدراك المشاعر: فأنت ترتاح للشخص الذي يراك منزعجاً فيقول لك (أراك منزعجاً بشدة).
تفهم المشاعر دون الحكم عليها: نحن نشعر بالارتياح أيضاً، عندما يتفهم الآخرون مشاعرنا دون أن يبدوا رأيهم فيها، كأن نسمع مثلاً: (أدرك تماماً أن هذا الأمر مزعج بالنسبة لك).
التعاطف: وهو كما سبق ذكره الإحساس بمشاعر الآخرين، ويمكن التعبير عن ذلك بعدة طرق منها مثلاً أن يقول الشخص الذي يريد التعاطف مع شخص آخر (أفهم تماماً ما تشعر به، فقد مررت بهذا من قبل).
خطوات العبور إلى التفوق العاطفي:
• تحديد ما نشعر به فعلاً: كثيراً ما يعترينا شعورٌ بالعبء, فجأة تداهمنا مشاعر سلبية مختلفة من يأس وإحباط وخوف، وبدلاً من أن نقول: نحن منزعجون، لا نعرف مصدر مللنا؟ دعونا نسأل أنفسنا السؤال التالي:ما الذي نشعر به فعلاً الآن؟ قد يخفف مثل هذا السؤال من حدّة العاطفة السلبية التي تعترينا، وبالتالي نتعامل مع الوضعية التي نحن فيها بسهولة أيسر وبسرعة أكبر.
• التعرّف على عواطفنا وتفهمها، وإدراكنا بأنها سند لنا:جميعنا يعلم كم يحتاج الأطفال للرعاية والاهتمام بكل حركاتهم وسكناتهم، كذلك الحال بالنسبة لعواطفنا التي تحمل رسائل متنوعة هادفةً إحداث التغيير الإيجابي، لذلك من المهم جداً أن تجد هذه الرسائل عناية خاصة بها، لأن استثمار الشعور بالتفهم لكل عواطفنا سيهدأ من هيجانها ويساعدنا على اتخاذ الموقف السليم.• أن نتعامل بحب استطلاع مع الرسالة التي توفرها لنا هذه العاطفة: حين نبدأ بالشعور بعاطفة ما علينا أن نستطلع ما يمكن أن توفره لنا هذه العاطفة وماذا نحتاج لعمله لتحسين الأمور؟ وستساعدنا الأسئلة الأربعة التالية في إثارة حب الاستطلاع عن عواطفنا:
1. كيف نريد أن نشعر حقاً؟
2. ماذا يتوجب علينا أن نعتقده لكي يكون شعورنا كما هو عليه الآن؟
3. ماذا نرغب في عمله للتوصل إلى حل وللتعامل مع هذا الأمر في هذا الوقت الحاضر؟
4. ماذا يمكننا أن نتعلم من ذلك؟
• التسلح بالثقة:والطريقة الأسرع للتعامل مع أي عاطفة هي أن نتذكر وقتاً شعرنا خلاله بعاطفة مشابهة بحيث ندرك بأننا نجحنا في التعامل مع هذه العاطفة من قبل. فإذا شعرنا بالغضب مثلاً، وكنا قد تغلبنا على غضبنا في المرة الماضية بالوضوء وتغيير وضعنا الجسدي بحركة ما، فإن استخدامنا لنفس الطريقة وقرارنا أن نفعل الفعل ذاته الآن مع الثقة بأن هذا الأسلوب سينجح.
• التأكد أنّه بإمكاننا معالجة ذلك الأمر، ليس الآن فقط بل في المستقبل أيضا: لابد من أننا نرغب في التأكد من أننا نستطيع التعامل مع هذه العاطفة بسهولة في المستقبل، والطريق إلى ذلك سهل إذا تمرنا على معالجة الأوضاع التي تأتينا في هذه الحالة، وراقبنا حواسنا تماماً ودربناها على الثقة واليقين عندما نرى ونسمع ونشعر بأنفسنا ونحن نعالج هذا الوضع الذي سينقلنا إلى حالة شعورية مقرونة بسلوك لطالما تطلعنا إلى ممارسته، وإن تكرار ذلك بحدة عاطفية سيمكننا من التعامل مع مثل هذه التحديات بسهولة أكبر بإذن الله تعالى.
• الاندفاع واتخاذ القرار والقيام بالعمل اللازم: إذا حددنا ماهية مشاعرنا الحقيقية، وتصورنا كيف يمكننا تغيير الأمور بإتباع هذه الاستراتيجية الناجحة التي سبق لنا أن اتبعناها في الماضي للتعامل مع هذه العاطفة، وتمرنا على أسلوب معالجتها في وضعيات مستقبلية، فإن الخطوة النهائية واضحة ومثيرة ملخصها في المبادرة الفعلية أي الاندفاع واتخاذ الإجراء الفوري اللازم، مثبتين فعلياً معالجتنا لهذا الوضع وامتلاكنا لزمام أمور هذه العواطف الطائشة التي قد تحدد من قدراتنا أو تأسر طاقاتنا.نحن أغنياء! وداعاً للكآبة
يقول هارولد أبوت: "كنت كثير القلق، حتى ذلك اليوم الربيعي حيث نزلت لأسير في الشارع عندما وقعت عيناي على الشخص الذي أزال كل همومي. حدث هذا في عشر ثوان فقط، عشر ثوان علّمتني عشر سنوات سابقة! كيف أدير محل بقالة منذ سنتين لكن لسوء الحظ، لم أخسر كل مدخراتي فحسب بل كنت غارقاً في الدين. والحقيقة أنه تم إغلاق دكاني منذ أيام وكنت في طريقي إلى البنك لاقتراض بعض المال يمكنني من الذهاب إلى المدينة للبحث عن عمل هناك.
ضاقت خطواتي، وأنا أمشي مع الهم والإحباط وفقدت كل عزيمتي وإيماني. ولكن فجأة، شاهدت رجلاً قادماً نحوي في الشارع، رجلاً لا يملك قدمين كان جالساً على منصة خشبية صغيرة مجهزة بدواليب وكان يدفع نفسه بجانب الطريق مستخدماً قطعة من الخشب بكل يد، التقينا تماماً بعد أن عبر الطريق وكان بصدد رفع نفسه بعض البوصات من الحافة إلى الرصيف. وعندما كان يُميل قطعة الخشب قليلاً ليضعها على كتف الرصيف التقت عيناي بعينيه.
حياني بابتسامة عريضة ثم قال بحماس: "صباح الخير ياسيدي! يوم جميل حقاً، أليس كذلك؟"
وفيما أمعنت النظر فيه، أدركت فجأة بأنني غني جدا، فأنا أملك قدمين وأمشي. خجلت من إشفاقي على نفسي وفكرت: "إذا كان بإمكانه أن يكون سعيداً وبشوشاً ومنتصراً دون قدمين، فمن المؤكد أنني أستطيع ذلك، أنا صاحب القدمين الكاملتين" كنت وقتها أنوي أن أطلب مائتي دينار! كنت أنوي أن أقول بأنني أريد الذهاب إلى المدينة للبحث عن عمل، لكنني أعلنت الآن بثقة تامة بأنني ذاهب إلى المدينة لأحصل على عمل هناك! وحصلت على القرض وحصلت على العمل!
الكلمات التالية وضعتها في غرفتي في مكان بارز لأقرأها كل صباح:
"كنت كئيباً لأني لا أملك حذاءً، إلى أن التقيت في الشارع برجل لا يملك قدمين"
ماذا تختار الجنة أم النار؟!
"يحكى أن يابانياً من المحاربين الساموراي أراد أن يتحدى أحد الرهبان ليشرح له مفهوم الجنة والنار، لكن الراهب أجابه بنبرة استهزاء: "أنت تافه ومغفل، أنا لن أضيع وقتي مع أمثالك..!"
أهان الراهب شرف الساموراي، الذي اندفع في موجة من الغضب، فسحب سيفه من غمده وهو يقول: (سأقتلك لوقاحتك..) أجاب الراهب في هدوء (هذا تماماً هو الجحيم..) هدأ الساموراي وقد روعته الحقيقة التي أشار إليها الراهب حول موجة الغضب التي سيطرت عليه، فأعاد السيف إلى غمده، وانحنى للراهب شاكرا له نفاذ بصيرته، فقال له الراهب : (وهذه هي الجنة)"هكذا كانت يقظة الساموراي المفاجئة، وإدراكه لحالة التوتر التي تملكته، والعبرة التي يمكننا استخلاصها من هذه القصة أن تصرفاً حاسماً كاد يمتد بين الطرفين بعد أن سيطر على الساموراي شعورٌ اقترب إلى مرحلة الغضب العليا مما جرفه بعيداً عن التعقل، وهنا يأتي دور هذه القصة العملي في حياتنا حين نتقن فن اكتشاف مشاعرنا في الوقت المناسب دون الانجراف بتصرف لا تحمد عقباه، ومع أن مثل هذه التدريبات النفسية قد لا تبدو للوهلة الأولى سهلة إلا أنها لا تصنف مع المستحيلات، لذا ماذا لو عبرنا بقوة إلى فضاء التفوق العاطفي وتحكمنا بثرواتنا العاطفية كما امتلكها بطل القصة السابقة؟
:احبك1: :اكثر: :اكثر: :اكثر: